التكييف القانوني للقاعدة الفقهية (إذا تعذر الأصل يعاد إلى البدل)؟-01

التكييف القانوني للقاعدة الفقهية (إذا تعذر الأصل يعاد إلى البدل)؟

تبدأ أحداث القضية بعدما تقدم  خالد بن سليمان بصحيفة دعواه للمحكمة الجزائية  ضد خصمه من أحد مكاتب استقدام العمالة حيث أوكل لهذا المكتب مهمة استقدام عاملة آسيوية ودفع له مبلغ وقدره 7000 ريال سعودي عبارة عن قيمة أتعاب الاستقدام و3000 ريال سعودي مقابل استخلاص إجراءات التأشيرة.

بالفعل حضرت العاملة من بلدها وعملت لدى خالد فترة وجيزة من الزمن ودفع لها جميع أجورها إلا أنها بدون عذر ولا مسوغ معقول أرادت العودة إلى بلدها الأصلي، وتم كتابة وإبلاغ مكتب الاستقدام  بذلك وبدوره التزم المكتب بإحضار العاملة البديلة إلا أنه لم ينفذ ذلك وماطل في التنفيذ حتى قام خالد برفع دعواه للمحكمة.

طلب خالد في صحيفة دعواه من المحكمة فسخ العقد المبرم بينه وبين مكتب الاستقدام وإلزامه برد كامل ما دفعه.

وبمواجهة مكتب الاستقدام بطلب خالد وتقديم دفوعه ومستنداته أقر بأن ما أدعاه خالد صحيح إلا أنه لن يستطيع توفير البديل ليس هذا فحسب بل أنه غير قادر على إعادة المبلغ مسبباً رفضه بعدم معرفة أسباب ترك ورفض العاملة للعمل لدى خالد.

وبعد أن استمعت المحكمة إلى بينات المدعي والمدعى عليه في هذ القضية خلصت عدالتها إلى الآتي:

أن الأصل في الأشياء تنفيذ العقود ولكن إذا تعذر  تنفيذ الأصل (نص العقد) فأنه يصار إلى البدل إعمالاً للقاعدة الفقهية التي تنص ” إذا تعذر الأصل يعاد إلى  البدل” ولأن الأصل التزام مكتب الاستقدام بإحضار العاملة من بلدها وتمكين خالد من الانتفاع منها وهذا لم يحصل رغم قيام خالد بدفع أجرتها وتوفير ما يلزمها  من سكن ونحوه إلا أنها وبدون سبب ومسوغ رفضت العمل وهو ما يجعل صاحب مكتب الاستقدام ملزم بتوفير بديلاً عنها وبهذا قضت المحكمة وصدق الحكم.

وبعيداً عن هذه القضية وتفاصيلها فأنه من الضروري التوقف عند القاعدة الفقهية التي أعملتها وطبقتها المحكمة في حكمها السابق والتي تنص على أنه “إذا تعذر الأصل يعاد إلى البدل” ويقول الفقهاء في هذه القاعدة بأن الشيء الواجب أداؤه هو الأصل العام المتفق عليه ما دام ممكناً، ولا يصار عند ذلك إلى البدل، ولكن لو تعذر الأصل فينتقل إلى البدل سواء كان حقيقياً أو حكمياً ،عينياً كان أو نقدياً.

استند الفقهاء للدلالة على هذه القاعدة من الكتاب والسنة ويمثل ذلك من قولة تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).

فضلاً عن أن العلماء قد بينوا حالات وأسباب الانتقال من الأصل إلى البدل وأهمها:

  • وجود سبب يتعذر معه فعل الأصل:

الأساس هو أنه لا يمكن الاستغناء و العدول عن أصل الشيء ولكن في حالة تعذر تنفيذه أو الحصول عليه يتم الانتقال إلى البدل ولكن وفقاً لشروط مشروعة.

  • وجود حاجة يتعسر معها فعل الأصل:

بحيث أجاز الفقهاء اللجوء إلى البدل إذا كان الأصل متعسراً أو أنه يلحق المشقة بالمكلف به ونتيجة ذلك فإن الحاجة إلى اليسر والتخفيف به مباحة وواجبة.

  • نتيجة فعل البدل أرجح من فعل الأصل:

فى هذه الحالة إذا كان اللجوء إلى فعل البدل يؤدى بنتائج أفضل من الأصل فإن العلماء لم يمنعوا من اللجوء إلى القيام بالبدل فقال ابن تيمية أن ” الإبدال لمصلحة راجحة مثل أن يبدل الهدي بخير منه ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد أخر لأهل البلد منه”.

ولقد ثار التساؤل عما هو حكم القدرة على تنفيذ الأصل بعد تحقق الاستفادة من البدل وهل يعد ذلك بطلاناً أم لا؟

لقد أجمع الفقهاء والعلماء إن القاعدة المتبعة أساساً هي اللجوء إلى البدل في حال تعذر وانعدام اللجوء إلى الأصل ولكن إذا وجد الأصل بعد ذلك وتم استيفاء غرضه بواسطة البدل ورضي صاحبه به فإن ذلك لا يعد بطلاناً وذلك لوحدة الغرض بين الأصل والبدل.

دليل ذلك من الكتاب والسنة يتضح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصف الذي لم يعد الصلاة بإصابة السنة) وهو الذي لم يبطل حكم البدل بعد حصول المقصود به فيدل ذلك على أن القدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل لا يبطل حكم البدل.

 

المرجع :

https://units.imamu.edu.sa/colleges/sharia/Documents/%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB%20%D8%A5%D8%B6%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A91/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%AD.pdf

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    Main Menu